الثلاثاء، 29 أبريل 2014

أُمتى ....

بسم الله الرحمن الرحيم

تاريخ أمتي

إن الناظر في تاريخ أمة الإسلام يراه لم يُعدم القدوة التي تعد نموذجًا صالحًا لإقامة الأخلاق في أمة القرن الخامس عشر، وقبل تاريخ الأمة سنة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، الذي كان حريصًا على تعليم الصحابة الثبات على القيم والمبادئ التي من شأنها أن تصنع رجالاً قادرين على فتح الدنيا وقيادتها إلى بر الأمان؛ فعَنْ عَائِشَةَ قَالَ يَحْيَى إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَحِقَ بِالنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَاتِلَ مَعَهُ فَقَالَ: (ارْجِعْ إِنَّا لا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ) ([2]).

 

فالرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة -بدر- كان في أشدِّ الحاجة إلى كل رجل يقف معه، ولكنه لَمَّا كان رجل المبادئ التي لا تتزحزح ولا تحيد عن مسارها قال له: (ارْجِعْ إِنَّا لا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ)؛ ليُعَلِّمَ الصحابة كيف تكون القيادة، وكيف يكون رجل المبادئ في المواقف الصعبة!.

 

وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ ([3]): مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ ([4])، قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ؛ وَلا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: «انْصَرِفَا؛ نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ» إنه الوقوف عند المبادئ والقيم حتى مع المخالفين والمناوئين أينما كانوا.

 

وعن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال: كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليَّ في الجاهلية فلما نُبِّئَ وهاجر شهد حكيم الموسم كافرًا فوجد حُلَّة لذي يزن تُباع فاشتراها بخمسين دينارًا؛ ليهديها للنبي صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة فأرداه على قبضها هدية فأبى وقال: «إِنَّا لا نَقْبَلُ شَيْئًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَخَذْنَاهَا بِالثَّمَنِ فَأَعْطَيْتُهُ حِينَ أَبَى عَلَيَّ الْهَدِيَّةَ» قال: فأعطيته حين أبى عليَّ الهدية. ([5])

 

فتربَّى الصحابة على مثل هذه القيم والمبادئ؛ فكان من الصحابة أمثال بلال يأخذه كفار قريش إلى صحراء مكة؛ ليعذبوه أشد تعذيب وينكلوا به أشد تنكيل في شدة الحر وقد جردوه من ثيابه وطرحوه أرضًا ووضعوا على صدره صخرة كبيرة؛ ليترك الإسلام ويعود إلى عبادة الأصنام فيأبى وهو ثابت على قوله: أحَدٌ أَحَدٌ؛ لا يتزحز ولا يلين إنه رجل مبادئ؛ إنَّهُ من صنع محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا سعد بن أبي وقاص من أحسن الناس برًّا بأمه وقد نزلت فيه هذه الآية: {وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت8]  قال: كنت برًّا بأمي فلما أسلمتُ قالت: يا سعد! ما هذا الدين قد أحدثت؟! لَتَدَعَنَّ دينَك هذا أو لا آكل ولا أشرب؛ حتى أموت فتُعَيَّر بِي فيُقال: يا قَاتِلَ أُمِّهِ، قلت: لا تفعلي يا أُمَّه إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثتْ يومًا لا تأكل ولا تشرب وليلة، وأصبحت وقد جهدت فلما رأيت ذلك، قلت: يا أمَّه! تعلمين والله لو كان لك مئة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت دينى، إن شئتِ فَكُلِي أو لا تأْكُلِي.. فلما رأت ذلك أكَلَتْ. ([6])

 

فلم يمنعه برُّه بأمه أن يكون صاحب قيم ومبادئ راسخة في الحياة تمنعه من أن يُقْدِمَ على ما يخالف تلك المبادئ.

 

وقد تتزحزح القيم والمبادئ أمام المال وسطوته ولا يثبت لها إلا الرجال فهذا "صهيبٌ حين أراد الهجرة قال له أهل مكة: أتيتنا صعلوكًا حقيرًا فتغَيَّر حالُك! قال: أرأيتم إن تركت مالي، أمخَلُّون أنتم سبيلي! قالوا: نعم فخلع لهم ماله، فبلغ ذلك النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم  فقال: «رَبِحَ صُهَيْبٌ رَبِحَ صُهَيْبٌ»([7])، أي والله ربح الدنيا والآخرة بثباته على قيمه ومبادئه التي تعالت وشمخت على الدنيا!.

وهذا أبو ذر لَمَّا دخل على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: يَا رَسُولَ الله اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلامَ فَعَرَضَهُ فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا ذَرٍّ اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ» فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ فَقَامُوا فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ؛ فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ تَقْتُلُونَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ فَأَقْلَعُوا عَنِّي فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ وَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ وَقَالَ: مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ. ([8])

 

فضرب الدَّهر من ضربه وأبو ذر كما هو ثابت راسخ على مبادئه سواء في أول الإسلام أم في آخره، فها هو في غزوة تبوك يلحق بالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم على بعير له؛ وقد تلوم فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره وخرج يتبع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ونظر ناظر فقال: إن هذا لرجلٌ يَمْشي على الطريق! فقال صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أبَاَ ذَرٍ» فلما تأمل القوم قالوا: هو والله أبو ذر. ([9])

 

كان أبو ذر يستطيع أن يمكث بالمدينة مع من تخلف بها ومعه عذره ولكنه صاحب المبادئ التي لا تتزحزح وصاحب القيم الرفيعة التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان.

 

وهذا الحسن بن علي رضي الله عنهما سليل بيت النبوة بايعه أهل العراق بعد مقتل أبيه وتجهزوا لقصد الشام في كتائب أمثال الجبال وكان الحسن سيدًا كبيرَ القَدْرِ يرى حقن الدماء ويكره الفتن.

"قال ابن شوذب: فسار الحسن يطلب الشام وأقبل معاوية في أهل الشام؛ فالتقوا فكره الحسن القتال وبايع على أن يجعل له العهد بالخلافة من بعده فكان أصحاب الحسن يقولون له: يا عار المؤمنين فيقول: العار خير من النار!." ([10])

بِقَلَمِ/ عِمَاد حَسَن أَبُو العَيْنَيْن([1]) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكراً للمتابعة والتعليق..